الأربعاء، 24 مايو 2017

قراءة حول جمالية الصورة في المشهد الإخراجي

                                     (من فلم 'باري ليندون' 1975, للمخرج ستانلي كوبريك)

تلعب الصورة دورا مهما في المشهد الإخراجي للفلم، فكما أن اللوحة الفنية الثابتة تسحر عقل الإنسان، فكذلك السينما تعزف على العاطفة الإنسانية، من خلال صورها المتحركة و المبهرة التي تتشكل أمام المتفرج، فيخضع لها بطريقة لاواعية، تخوص به إلى جوهر الفكرة و تشده من أعماقه، غارقا في ألوان الصورة، مستشعرا لحظة وجودية تتمثل في أفق نفسيته و إدراكه.

لقد كان هناك الكثير من المخرجين في تاريخ السينما، مثل المخرج تاركوفسكي أو ستانلي كوبرينك، يلعبون على أوتار الصورة المتشكلة، بإعتبارها أداة تعبير بحد ذاتها تغني عن الحوار و الكلمات، و يعتمدون بشكل كبير على إدراج رمزية أو علامة تصاحب الصورة المطلوبة، سواء كان ذلك بكيفية ظاهرية أو باطنية، و هذا مما يدل على كون السينما و ألياتها، تمثل مدرسة فكرية مستقلة قائمة بذاتها.

إن المخرج عندما يشرع في صناعة الصورة المطلوبة، فلابد من وجود عبقرية يمتلكها، إذ أن الصورة المميزة تتحقق بثبات و إحترافية خلال التحكم في زاوية الكاميرا، فالمسافة مثلا بين الممثل أو المكان و بين ألة التصوير، فيجب أن تتأطر بشكل مدروس، و ذلك حول إعتبار أهمية المسافة في تقديم الصورة بشكل ناجح.

تحمل الصورة السينمائية في داخل رسوماتها و عناصرها معان خفية، و تجليات غامضة و ألغاز تجذب إنتباه المشاهد، و لكن لتحقيق المبتغى المراد، فلا يجب إهمال أي جزء من الصورة الكلية، لا من حيث تناسق المظهر أو المضمون، ثم إن جمالية الصورة ترتكز بشكل كبير على علاقة مضمون الفلم بتلك الصور، بمعنى أن العلاقة بين حبكة الفلم و الصورة المرفقة، تتطلب ترابطا و تكاملا يجمع بينهما، من أجل إبراز دور الصورة و أهميتها.

                     (النبات المتحرك داخل البحيرة, من فلم 'سولاريس' 1972, للمخرج أندريه تاركوفسكي)

إن الشيء الذي يعطي إضافة مميزة على تركيبة الصورة و إندماجها هو طريق عرضها، و هذه النقطة ذو أهمية كبيرة بل ضرورية جدا، فقد نجد مثلا أن الكامير تعتمد مسارا بعيدا ثم تبدأ بالتقرب بشكل تدريجي تجاه الحدث، أو أن الكاميرا تكون قريبة من لوحة فنية مثلا ثم تبدأ بالنزول من الأعلى مرورا بالوسط نزولا إلى الأسفل، و يكمن إختلاف طرق العرض حسب كل مخرج ، و أيضا حسب معطى الفلم و قصته.

الأشكال التعبيرية للإنسان و الوجود في السينما التصويرية، لها ذوق خاص، يشعر فيها المتفرج بالإنفصال عن واقعه، على سبيل المثال عندما نرى صورة تعطي لنا لمحة عن الكون، بطريقة مغايرة للصورة التي نحملها في أذهاننا( مثلا نهاية فلم "بيضة الملاك" 1985)، فإن المشاهد في هذه اللحظة يستشعر بنوع من السقوط و الخروج من التاريخ، و يصبح الفلم في تلك اللقطة نوعا من الرقص على أنغام الزمان.

هناك نوع آخر من الصور، يتمثل في نمط مستمر تصويري، و غالبا يكون مرفقا لأحداث الفلم، مثلا فلم "رأس ممحاة"1977, بالرغم من سرياليته المفرطة إلا أن الصورة لعبت دورا مهما في عرض أفكار المخرج، و هذا النوع من الصور يكون عبارة عن سلسلة متقطعة، معظمها غير مفهوم يكسر التقليد السائد، إلا ان هذا النوع يعرض قبح الصورة أكثر من روعتها النسبية.

إن موضوع الصورة و جماليتها كان له دور كبير في تاريخ صناعة الأفلام، فظهرت عدة نصوص سنمائية معظمها يعتمد على الصورة البصرية، مما يثبت أهمية هذا الجانب عند المخرجين، فتطور الصورة السينمائية يمثل محتوى ذو تمركز فني، يعالج الأفكار و الأطروحات بأسلوب صامت أمام الجمهور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق