الأحد، 29 يناير 2017

أفلام طويلة : فلم Les innocentes 2016


فلم ينطوي على طرح الفكر الديني و الجرأة على تصوير تلك البنية الفكرية للمؤمنين في سيناريو مدهش يعطي للواقع و المشاهد قطعة فنية تتجلى في النزاع و التضاد بين الإيمان و الشك و بين الدين و العلم و العلاقة بينهما.

فلم فرنسي للمخرجة 'آن فونتين' مبني على أحداث حقيقية حصلت إبان إنتهاء الحرب العالمية الثانية تحديدا سنة 1945 عن فتاة ممرضة تدعى 'ماتيلدا' ذات توجه فكري شيوعي تساعد المصابين و العائدين من الحرب في أحد المعسكرات, و في الجانب الآخر هناك كنيسة و دير مسيحي كاثوليكي يوجد به عدد من الراهبات البولنديات التي يمارسن طقوسهن و معتقداتهن, في أحد الأيام راهبة تخرج خفية من هذا المعبد متجهة نحو المعسكر طلبا للمساعدة, في البدء ترفض 'ماتيلدا' ثم بعدها تقرر مساعدتها, عند وصولها إلى ذلك الدير الديني تتفاجأ الممرضة بوجود مجموعة من الراهبات الحوامل التي يحتجن للمساعدة.

يزودنا الفلم بفكرة هامة عن تصور المقدس و المدنس عند هؤلاء الراهبات فهذا الدير كل ما نرى فيه هو : الترانيم الدينية و قراءة الكتاب المقدس و تقبيل الصليب و الصلوات المستمرة و صوت جرس الكنيسة و كل محاولة عصيان لرئيسة المعبد تكون بمثابة الكفر بالذات العليا, و في نفس الوقت ترفض هؤلاء الراهبات كل ما هو حضاري و متصل بالعالم الخارجي , فالدوغمائية الدينية و المواضيع الأخلاقية تلعب دورا كبيرا في سياق إبراز أحداث الفلم و سلوك الشخصيات و أضف إلى ذلك أثار الحرب و ويلاتها, عندما تلد أحد الراهبات مولودا تقوم الكاهنة الرئيسة بالتخلص منه خلسة عن طريق إرسالهم إلى مكان آخر بدون رحمة أو شفقة تبعده عن أمه و السبب هو الحصول على رضا الرب و تجنب لعنته و الخزي و العار, هكذا يظهر لنا ما تريد المخرجة إثباته حول الراديكالية الدينية و إنعكاساتها السلبية على المجتمع.

الخروج عن التقاليد و رفض الدين أمر صعب, الراهبة ماريا مساعدة الكاهنة تدرك هذا فتحاول بكل ما أوتيت من جهد و قوة التوفيق بين واقعها الميئوس و إيمانها فهي طوال خمس سنوات من العمل في الكنيسة و خدمة الدين تدعوا ربها المساعدة و العون و مع ذلك كل ما تحصل عليه هو الصمت و عدم الإجابة, فلا يبدو أن الجميع هناك مؤمنين فهناك من يملئها الشك و هناك من تريد التغيير و آخرون يطيعون الأوامر بدون عصيان و غير مهتمون و كل راهبة لها قصة خاصة بحياتها, و جدير بالملاحظة في وقائع الفلم دائما ما يترافق مع مفهوم الإله و ذكره الأنانية و العنف و التناقض.

تتطور العلاقة بين ماتيلدا و ماريا عبر عدة مراحل من الليلة الأولى نهاية بالرسالة المكتوبة, المخرجة أبدعت في تقديم مضامين و مفاهيم تتلخص في عدة لقطات من الفلم حول جدلية العقل و الدين فعندما تعالج 'ماتيلدا' أحد الراهبات عبر فحوصات طبية تقع الراهبة 'ماريا' في حيرة : بين القبول بالعلاج الطبي الحديث أو الإعتماد على الأعشاب و الطب التقليدي, في الحقيقة الدراما الموجودة في هذا الفلم تتخطى كل الكلمات و النقاشات الموجودة فيه, بحيث أنه بمثابة صورة مرئية تحمل في ثناياها أطروحات فلسفية فكرية و دينية تجعلنا نتسائل : هل الدين و العلم في تناقض أم توافق ؟ أين الحقيقة ؟ و كيف نعرفها ؟ ماذا لو كان الدين مجرد أسطورة و أن العلم هو المنتصر في الأخير ؟ و أين الإله من كل هذه الحروب و الشرور ؟ .. و ما إلى ذلك من التساؤلات.

يشتمل الفلم على جوانب كوميدية سوداوية و كثير من المناظر تبدو كأنها لوحات زيتية أنيقة و مشاهد جميلة وسط عالم وحشي, طبيعة الصورة نجدها قاتمة و ظلام مستمر و إضاءة خافتة و جو من الإكتئاب و الحزن و المعاناة النفسية معززة بقصة ملفتة للنظر و جذابة, هذا الفلم أجده اقرب لفلم 'الشك' إنتاج 2008 و أيضا فلم 'كسر الأمواج' إنتاج سنة 1996, فمن زاوتي لطالما كنت منجذبا لهذه الأشكال من الأفلام حيث أنها تعالج مواضيع مرتبطة بأساسيات التيار الديني و عقدة رفض الآخر و نزعة الإختلاف في ظل قصة متسلسلة عن فترة تاريخية معينة و حبكة ذات أسلوب سديد يحويها هذا الفلم بدوره.


تقييمي : 3/4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق