الاثنين، 23 يناير 2017

أفلام طويلة : فلم Coherence 2013


لطالما تلك الأفلام ذات الميزانية الضئيلة و الإمكانيات المحدودة تكون متسمة بسيناريو يقوم على مبدأ عرض المضمون و إعتماد إيصال المغزى بأساليب و أدوات بسيطة, أكثر من الإعتماد على المؤثرات و الإضافات التأثيرية.

إن هذا الفلم قد أثبت من خلاله المخرج "جيمس وارد بيركيت" حقيقة إستحقاق الأفلام المستقلة من طرف الجمهور و المشاهدين, ذلك كون أن هذه الأفلام قلما يكون لها إعتبارا كبيرا, في حين أن معظمها تكون مغايرة للمألوف و نهج غير معتاد, سواء من جهة التصوير أو الإخراج أو الحبكة بل حتى الكلمات و الحوار, و أضف إلى ذلك أن مثل هذه النوعية تمتاز بتطلعات مبدعة.

قد يستغرب المشاهد من هذا الفلم و من قصته المعقدة, التي تعطي إنطباعا عن طبيعة و حضور الوجود و العدم أيضا, يحكي الفلم عن جماعة من الأصدقاء يقررون المكوث و إقامة حفلة عشاء ليلا في منزل أحدهم, هذه الليلة ستكون بمثابة اللعنة الوجودية لهؤلاء الأشخاص, سيمرون بعدة وقائع غير مفهومة ثم يحاولون إكتشاف سر هذه الأحداث , في نفس الوقت هذه الليلة سيكون فيها مرور مذنب هالي الشهير.


كل مراحل و تجليات القصة من عناصر و نقاشات تدور في منزل واحد و مكان خاص, كل واحد من هؤلاء الأصدقاء سنتعرف عليه من خلال كلامهم حول الطاولة و ماضيهم و تجاربهم, لكون أن الفلم معظمه يصاغ في الكلام و تبادل الأفكار فيما بينهم, الفلم جعلني مظطر لأن أشاهده مرتين بسبب نهايته الصادمة, بل و المرعبة أيضا فهي خاتمة تنطوي على واقع وهمي لا يتطرق إليه المخرج في شرحه, أو في ترك حيز لتفسير النظريات العلمية مثل مفهوم قطة شرودنجر, التي نسمعها على لسان أحد الموجودين في المنزل عندما يقرأها من كتاب, يعود لأخيه المتخصص في الفيزياء.


الألغاز الوجودية. التعقيدات العقلية, الرؤى الفكرية, دراسة الأبعاد و الزمن و المكان, كل الكتب التي كتبت في هذا المجال تم تصغيرها و تلخيصها في عدة كلمات, داخل هذا الفلم الذي يضرب بها كل المجلدات المعرفية عرض الحائظ و هذه هي ميزته القوية, فالنظريات الفلسفية أمثال أسطورة العود الأبدي, تكرار الزمن, سلسلة الكارما الموجودة عند البوذيين و الهندوس, تأثير الكواكب و المدنبات في حياة الإنسان تجدها في سيناريو هذا الفلم الذي تصل مدته إلى 89 دقيقة.


تكمن جاذبية هذا الفلم في عدم الوصول إلى المواكبات و التغييرات التي لا تنتهي من جانب الأحداث, إذ أنه يعرض الكثير من التناقضات و الأضداد الوجودية, التي تضعك أمام عدة شروحات فلا تدري هل ما تشاهده أمامك هو مجرد صورة متكررة من سلسلة مستمرة من الموجودات أم أن هناك شيئا آخر يتخطى الفكر البشري ؟ أضف إلى ذلك بعض اللقطات المختلطة, إذ أنه وسط مسار و تفاعل الشخصيات يظهر أن المنزل و الموجودون بداخله, هو مجرد واحد من ملايين المنازل و الأشخاص المتشابهين القائمين في جانبهم تحت ظلام الليل.


تبقى النهاية هي الحقيقة المقررة من طرف المخرج, التي يدرك بها المشاهد صوت الضياع الفكري و التشتت الذهي, مع ميزة الموسيقى الخاتمة و التعبير عن تلك الهشاشة الإنسانية’ التي تتمثل في الشقراء بحثا عن جواب أو طريق للخروج من تلك الظلمة الحالكة, التي هي عبارة عن ملتقى و بوابة للأبعاد و العوالم المتعددة مع مسحة من الغموض و الإرباك و الإتساق المدروس.


تقييمي : 4/4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق