الأربعاء، 18 يناير 2017

أفلام طويلة : فلم Angel's Egg 1985


طوال مشاهدتي لهذا الفلم و أنا أشعر كأنني أحاول أن أمسك بظل عابر, لن أدعي أني فهمت مغزى القصة بمجملها فهذا صعب, لكني وجدت أمام عيناي دائرة من التخيلات اللانهائية و الهواجس التي تنبع من عقل المخرج الياباني"مامور أوشي", كل لقطة من الفلم تحمل في ثناياها العديد من الخفايا و الإشارات الباطنة, التي من خلالها يصبح الفلم مبني على رؤية فكرية وجودية.

مثل ما هو معلوم أن الفلم كلما أسرف في طرح تصورات و مشاهد سريالية بشكل شامل لمعظم القصة, كلما إزدادت خربشته و تعقيداته في عين المشاهد و هذا الفلم يدخل في هذا النوع, فلا قصة واضحة و لا مسار محدد و لا شخصيات منسجمة, بل الفلم كله يقوم على تركيبة فنية سردية غير سليمة و هو شبه صامت, على الأقل بالنسبة لي قد أفترض مجموعة من التفسيرات لإعطاء مضمون و حبكة محددة للفلم, إعتمادا على الكلمات التي تدور في الحوار (الحوار في الفلم شبه منعدم و قصير) و الصور و المقاطع و غيرها من عناصر الفلم.

يحمل الفلم عنوانا غريبا حيث الإسم هو "بيضة الملاك", وعند محاولة الربط بين محتوى الفلم و العنوان تسقط داخل مجموعة من الخيوط المتشابكة و المتداخلة, هناك شخصيتان يبرزهما الفلم بشكل أساسي هما : الفتاة الصغيرة البيضاء و الشاب الأسمر الجندي, لا يحملان أي إسم و كلاهما يجهلان أنفسهما, فلا يعرفان من أين أتيا ؟ و أين كانا ؟ و لماذا هم هنا ؟ و إلى أين هم ذاهبون ؟ هم فقط موجودان, لا يملكان أي فكرة عن الغاية من وجودهما, الفتاة يملئها الحزن و الخوف و البؤس, كل ما تقوم به دائما هو ملأ القوارير الزجاجية بالماء و حماية بيضتها الغامضة, أما الشاب فهو يائس من عدم عثوره على الإجابة و الطريق, مما جعله غير مهتم و غير مبالي بحياته و بمصيره,بعد هذا نرى كيف يصور الفلم رحلة هذين الإثنين في حياتهما الفوضوية, وسط عالم يتميز بصفات كئيبة : الظلام المستمر, المباني الفارغة ذات المنظر القوطي, الأزقة المظلمة, الغابات المخيفة, أصوات الاشباح, صوت المياه الراكدة, الرياح و السماء القاتمة, الهياكل العظمية. مستحاثات لحيوانات ضخمة عريقة و الأمطار التي لا تتوقف.

إذا ما إنطلقنا من الرمزيات و الخلفيات المرسومة و المقاطع المتحركة, سنجد أنها متعلقة بمجموعة من الدلالات : ظلال الأسماك الضخمة التي تخرج من الظلام, جنود قوات الجيش الغامضون و التماثيل البشرية التي تظهر داخل المركبة عند نزولها, كل هذه تشير إلى إحتمالات متعددة, إما أن الفلم كله مجرد حلم طويل لا ينتهي من الكوابيس (عندما يقوم الشاب بعرض مجموعة من الذكريات, التي لا يدري من أين أتته؟ و كيف مر بها؟), أو أن العالم مجرد إنعكاس و ظل للوجود الحقيقي في الأعلى (حكاية الشاب عن الطيور و وجود عالم غارق تحت المياه, بالإضافة إلى ظلال الأسماك ونزول المركبة من الفوق أثناء بداية الفلم و عودتها اثناء النهاية), أو أن هذين الإثنين ميتان يعيشان حياتهما بعد الموت (صوت الاشباح و الجنود الموتى في الليل), أو أن الفلم يصور مسيرة الإنسان في بحثه عن المعنى وسط عبثية الوجود و الخراب الذاتي.

هناك شيء آخر قد يكون الفلم تعبيرا عن رمزية دينية, لأسطورة ميثولوجية قديمة تتعلق بأحد الكوارث, التي وقعت في تاريخ العالم, إنطلاقا من السفينة التي إستيقظت بداخلها الفتاة, المياه التي ستغرق المدينة في الأخير و كلمات العهد القديم على لسان الشاب الأسمر, كأنها قصة نوح و لكن على مستوى آخر, ستبقى هناك لقطات خالدة مستعصية على الفهم : البداية التي ترسم يد إنسان في الفراغ, كأنها تشكل بيضة ثم يكسرها, أيضا وجود تنين مجنح أو طائر ضخم داخل البيضة ثم تحول الفتاة إلى تمثال و غيرها, المفاجئة تتمثل في النهاية تحديدا, التي نستشعر فيها بصمة المخرج العظيم الروسي "أندري تاركوفسكي", حيث أن نهاية فلم 'بيضة الملاك', هي نفسها من حيث الجوهر نهاية فلم 'سولاريس' إنتاج سنة 1972, فالنهاية صادمة بل خارجة عن المعتاد, حتى الصورة الكونية للفضاء و النجوم و الكواكب, خاصة شكل كوكب الأرض و البشر, تحوم حولها الكثير من علامات التعجب, لا ندري ماذا يقصد من خلالها المخرج ؟

مثل هذا الفلم نجد متوازياته في غيره من الافلام, مثل فلم 'الكوكب الخيالي' إنتاج سنة 1975, أيضا 'سولاريس' الذي سبق ذكره, بالإضافة إلى 'رأس ممحاة' للمخرج 'ديفيد لينش', أيضا أفلام أليخاندرو جودوروسكي و غيرها من السرياليات السينمائية,هذه القطعة الفنية المتحركة لن تكون سهلة للجميع, أحيانا تربكك و تضعك في حيرة في أكثر من موضع, لكن النقاط المهمة التي جعلت الفلم جذابا و غريبا في نفس الوقت, هو التصاميم و الأشكال و أنغام الموسيقى الباهرة و المفزعة, فالمخرج يتلاعب بماهية الوجود بأسلوب مدهش و وصفي لاواقعي.

تقييمي : 4/4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق