
المخرج الإنكليزي 'مايك لي' في أفضل أفلامه ' التعرية', يعالج قصة درامية في إطار إجتماعي تتسم بالكآبة و الوحدة, إنطلاقا من شخصية 'جوني' الذي يهرب من مانشتر متجها إلى لندن ,بدون أي أسرة أو أصدقاء أو منزل, هنالك يلتقي بصديقة قديمة و في نفس الوقت يتعرف على عدة أشخاص عن طريق الصدف, و يعايش حياة المتشردين و المنبودين ليلا.
في هذا الفلم يعرض لنا المخرج سذاجة و سخافة تلك الفكرة التي تنادي بجمالية الحياة, و يبرز لنا الوجه المظلم للإنسان و يقدم لنا عبر سلسلة من الأحداث التي تبين سوداوية الحياة و قبحها, لدينا في الفلم مجموعة من الحالات و الوضعيات التي تربط بين عدة شخصيات, و يشتركون تقريبا نفس المزاج : القلق, الألم, الإكتئاب.. إلا أن الخط الرئيسي للفلم يمثله الشاب 'جوني' الذي يبلغ من العمر 27 سنة.
يبتدأ الفلم ببداية مثيرة و ذكية نرى فيها حالة إغتصاب في زقاق ضيق و مظلم ليلا في مانشتر, ثم في لحظة متتالية نرى أنفسنا أمام الشاب 'جوني' هاربا من فعلته الشنعاء إلى لندن, يأتي إلى منزل صديقته القديمة التي أصبحت موظفة, نرى جوني في مزاج سيء : صراخ, عصبية.. فهو في علاقة مظطربة مع الجميع, يمارس الجنس بصورة غريبة كأنه يمتلك نوع من الميول السادية و التلذذ بألم الآخرين.
ما يميز شخصية 'جوني' هو خياله و أفكاره عن الوجود و الحياة, فبسبب نظرته التشاؤمية أصبحت الحياة بالنسبة له كشكل من أشكال العبث و اللاجدوى, غير مهتم و لا يبالي سواء كان صديقا أو غيره, في يوم ما يخرج من منزل صديقته بعد عدة مخاصمات, يمشي في الشارع بدون أي هدف أو معنى, يحمل حقيبته و يتأمل في موقفه ثم بعدها يجد نفسه يعيش مجموعة من الوقائع ينسجم معها بطريقة تلقائية.
'مايك لي' هنا يعتمد على أسلوب تشويقي في خلق الأحداث, فالفلم يصور عدة من المواقف هدفها هو مناقشة المواضيع, و منها التعرف أكثر على حياة جوني, فهو متأثر بكلمات سفر الرؤيا التي تحكي عن نهاية العالم, و يؤمن بقرب نهاية الحياة البشرية و يصدق النبؤات القديمة, و يدعم فكرة التطور البشري نحو مستوى الإله, كل هذه الأفكار الفلسفية و الدينية تم طرحها بطريقة غير مألوفة, فجوني يناقش أفكاره مع كل من يلتقي بهم من مشردين و موظفين و غرباء.
هذا العمل السينمائي واحد من أعظم الأفلام التي ترسم لنا وحشية الإنسان و قساوة الحياة, فعنوان الفلم يبرز من خلاله صورة عارية لمجتمع إنكليزي حديث مبني على قيم الفلسفة المادية, ثم الخاتمة الرائعة التي إنتهت بأداء مذهل من الممثل 'ديفيد ثيوليس', فالفلم عبارة عن قراءة عدمية لوجود الجنس البشري و ملحمة إنسانية شاعرية مشحونة بالعواطف, فمن بدايته إلى نهاية كل ما نكتشفه هو إستمرارية الألم و الحزن.
تقييمي 4/4
تحليل رائع جدا ، حتى أنني من خلال قراءته منحت تحفيزا لمشاهدة الفلم ، حيث عزفت في البدء عن مشاهدته بسب الانطباع السيء الذي رسمته عن شخص جوني
ردحذف