فلم ’راقصة في الظلام’ هو إحدى الروائع الدرامية للمخرج الدنماركي ’لارس ترايير’, يصور لنا المخرج حكاية مأساوية و تراجيدية حزينة تتعلق بإمرأة تدعى ’سيلما’ تكافح من أجل لقمة العيش, تهاجر من ’تشيكوسلوفاكيا’ إلى الولايات المتحدة و تعمل في إحدى المصانع, كل مجهوداتها تصب في سبيل جمع قدر من المال لأجل غاية سرية تخفيها عن إبنها ’جين’.
من الملاحظ في الفلم أن هناك شخصية تلعب دورا قياديا في تغير الأحداث و خلق الوقائع, هي شخصية ’سيلما’ التي تمتلك قلبا طيبا و تتسم بإفراط عاطفي و حساسة جدا, تهتم بولدها كثيرا و تعينه من أجل دراسته و تحرسه, تسكن في منزل خارج المدينة في غابة وسط الأشجار, على الجانب الآخر هناك جيران الشرطي ’بيل’ و زوجته, العلاقة بين هذين الجارين تبدو في البدء علاقة صداقة و تفاهم إلا أنها ستأخذ منحى آخر مفاجىء وسط مسار القصة.
الموسيقى التي أضافها ’ترايير’ لعبت دورا إستثنائيا بين ثنايا الحبكة, أعطت لمحة عاطفية مقنعة داخل هذه المأساة, فالأم ’سيلما’ تعرف مسبقا أنها ستصاب بالعمى و أنه مرض وراثي سينتقل إلى إبنها, و بذلك كل محاولاتها في جمع المال هو من أجل القيام بعملية لولدها ’جين’ لإنقاذه قبل فوات الأوان, و لكن الشيء الذي لم يكن في حسبانها هو تعرضها لمشكلة كبيرة سيدمر كل ما قامت ببنائه إنطلاقا من هجرتها و جمع المال و إخفاء السر, كل هذا سيتهدم فقط بسبب جارها الشرطي الذي سيتهمها بالسرقة و ينصب لها فخا.
في الحقيقة إن وصف هذا الفلم من حيث جماليته و روعته, يتجلى لنا أنه بمثابة قطعة فنية مظلمة عاطفيا و يتسم بأسلوب إقناعي شاعري مثلا عندما نرى ’سيلما’ في لقطات متعددة و هي عمياء ترقص في عالمها التي تصنعه داخل محيطها ,أيضا يحتوي على مقاطع صامتة ميتة لبعض المشاهد القاتمة التي ندرك فيها بؤس الحياة, كالظلم التي ستتعرض له ’سيلما’ من طرف الشرطي, أو لحظة سرقة مالها, أو تلك اللحظة التي إظطرت فيها إلى قتل الشرطي من أجل أموال العملية و غيرها.
في إطار تتبع مسار القصة ندرك أن المخرج لا يترك لنا علامات واضحة , يمكن الإعتماد عليها من أجل التنبؤ بمصير ’سيلما’, فطوال الفلم سنبقى مستمرين في رؤية حياة الشقاء التي تمر منها الأم و علاقتها بصديقتها ’كاتي’ الفرنسية و جيرانها و عملها المستمر, لكن في اللحظة الأخيرة من الفلم نتفاجىء بصورة جديدة لهذه الحياة, و نصبح متعاطفين جدا مع شخصية الأم, نترقب فكرة أن المرء يتم إعدامه ظلما, و مع كل هذا تبقى الطموحات الموسيقية ترقص بشكل إستمراري في مخيلة الأم و عالمها الخيالي الآخر.
تقييمي : 4/4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق