ليس بالأمر السهل على الفيلسوف أن ينسج فكرته داخل الفلم، فالسيناريو الذي يقوم عليه الفلم الفلسفي يحتاج إلى الكثير من التركيز و المراجعة, من أجل إيصال الفكرة إلى المتلقي بصورة أحسن و أفضل، متمثلا ذلك في عدة آليات : زاوية التصوير، تركيب اللقطات، الحوار، المكان المناسب... و غيرها، و يمكن أن نقسم السينما الفلسفية إلى 3 أقسام مختلفة فيما بينها من حيث النوع :
- السينما السريالية : و هي الأفلام التي تكون مبنية على أفكار الحركة الفكرية الفنية التي ظهرت في فرنسا, خلال أوائل القرن العشرين، و فيها يصبح المشاهد كأنه يعيش وسط
أحلام و هلاوس و صور عشوائية و أفكار كأنها من عالم آخر، و هذا النوع برز مبكرا في
تاريخ السينما، ففلم " الكلب الأندلسي" الذي أنتج سنة 1928 للمخرجين 'لوبس بونويل' و 'سلفادور دالي' يعتبر من أشهر
و أقدم الأفلام السريالية، بل إن هذا الفلم كان بمثابة تغير جديد في تركيبة النص السينمائي، و هناك فلم آخر أنتج سنة 1977 إسمه "رأس ممحاة" للمخرج ديفيد لينش، أيضا يمشي على نفس المنوال و له شهرة كبيرة في الوسط
السينمائي.
- السينما الدرامية - الفلسفية : الأفلام التي تنتمي إلى هذا النوع سأقسمها
إلى فئتين أما الأولى فتتميز بالوضوح في الفكرة و الصورة، حيث أنها تكون مبنية على
موضوع مرتبط بعدة مفاهيم حياتية نلاحظها كل
يوم : الألم، الخوف، الفقدان، الوحدة، السعادة...إلخ, فالمخرج هنا يعتمد بشكل كبير على تقديم صورة مختلفة
عن فكرة ما, و لكن بطريقة و أسلوب مغاير يجعلك تنجذب إلى الشخصية الرئيسية, و تتأقلم
مع الفكرة و يترك تأثيرا كبيرا على نفسيتك و فكرك، و من ضمن الأفلام الشهيرة التي تدخل في هذا التيار, الفلم الرائع " إلى البرية " الذي أنتج سنة 2007.
أما الفئة الثانية و هي التي تكون ذات إسقاط ديني أو نظري فلسفي, و هذه النوعيه
نجدها تتسم بالغموض شيئا ما, و فيها المخرج يضع الرسالة في باطن حبكة الفلم, و يمررها
عبر المواقف بصورة خفية, يحتاج خلالها المشاهد أن يكون في الأصل ملم و مطلع على أعمال المخرج, و على
دراية به و أيضا على بعض المواضيع المعرفية، و هذا الجانب يتجلى في مجالين هما : الدين
و الفلسفة ، فمرة نجد أن الفلم ما هو إلا إسقاطات دينية, مثل فلم 'ستالكر' إنتاج 1979 للمخرج الروسي تاركوفسكي, أو 'سلسلة أفلام الوصايا العشر' للمخرج البولندي كيسلوفسكي, بالإضافة إلى فلم 'الختم السابع' و سلسلة 'صمت الرب' الرائعة للمخرج السويدي برغمان, و أحيانا يظهر لنا أن الفلم يقوم على مبدأ فلسفي, مثل سلسلة أفلام 'الماتريكس' الشهيرة أو فلم 'سولاريس' إنتاج 1972 للمخرج تاركوفسكي, الذي يصور
لنا في فلمه هذا على ان الوجود مجرد وهم و إنعكاس للدماغ ,أو فلم 'تريانجل' الذي يجسد نظرية العود الأبدي
و تكرار الحياة، أو فلم "اوديسة الفضاء 2001" للمخرج ستانلي كوبريك, الذي يتناول
في فلمه هذا أفكار نيتشه و فلسفته.
- السينما المعقدة : هذا النوع الثالث من
خلال عنوانه يتجلى لنا معناه، و الكثير من المشاهدين يشعرون بالنفور من هذه النوعية, أو يقعون في مفاجآت خلال مراحل الفلم أو صدمة في النهاية، و ذلك بسبب تركيبتها المربكة
و المبهمة و ضبابية خيوط القصة، و مثل هذه الأفلام نجد مثلا فلم "طريق مولهولاند"
للمخرج ديفيد لينش، و فلم "تأثير الفراشة" و فلم ' نادي القتال' و فلم 'تذكار'
للمخرج كريستوفر نولان و غيرها.
بالنسبة للقسم الثاني فهناك أيضا فروع أخرى تنتمي الى مجال آخر غير مجال الدراما، مثل فلم " عرض ترومان " الذي يخضع للكوميديا الفلسفية, حيث عبر وقائع الفلم يظهر أن الوجود مجرد خدعة، ثم فلم " هذه هي النهاية " إنتاج 2013, الذي يدخل في الكوميديا الدينية, و كيف نرى أنه يسقط فكرة الجنة و النار و الحساب في إطار ترفيهي سخري، أما الخيال العلمي مع الفلسفة فنجد مثلا فلم " بروميثيوس", الذي يربط بين الكائنات الفضائية و الجواب عن نشأة الحياة و الحضارة في التاريخ البشري.
السينما لها جانب قوي في التعبير
عن الفلسفة، و فاعليتها في إعطاء المغزى، فإذا أخذنا مثلا نظرية الكهف للفيلسوف الإغريقي أفلاطون, سنرى
أنها من ضمن أشهر المحاولات التصويرية التي نسجها الإنسان, في شرح فكرة فلسفية قبل ظهور
السينما، فعوض أن نفهم نظرية وهم المادة, و أن الوجود مجرد محاكاة لنمودج كوني أزلي قديم, في إطار المجلدات و الأوراق، فإن السينما
تعكس بشكل كبير في تفسيرها لهذه الفكرة، حيث يصبح دورها أفضل و أكثر قابلية لدى المتلقي
من حيث فهمها.
إن الفيلسوف السينمائي حينما يشرع في تشكيل الفلم، فلا ريب أن الدلالات
التي سيحويها السيناريو, تكون مرتبطة بشكل كبير بالرمزيات و الرسومات التشكيلية, و الصور
الفنية التي تصاحب مسار القصة، مما يصبح فهم الفلم متعلق بالضرورة بتلك الإشارات،و هناك أفلام عديدة تدخل في
هذا النموذج, مثل فلم " المرآة" إنتاج 1975 للمخرج تاركوفسكي، لذا فإن دراسة العلاقة
بين السينما و الفلسفة, تلعب دورا مهما في معرفة تطور الأسلوب السردي و القصصي, و أيضا
المعرفي في السياق التاريخي للأفلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق