الاثنين، 26 ديسمبر 2016

أفلام طويلة : فلم Barry Lyndon 1975


أفلام المخرج 'ستانلي كوبريك' هي ليست فقط مجرد نصوص سينمائية عادية, فالمخرج بنفسه من خلال أفلامه كفيل بأن نعتبره مدرسة خاصة لها مميزات و خصائص, و ذلك لكونه قدم مجموعة من الأفكار في شتى المجالات, و يمتلك تنوعا هائلا في مسيرته العملية.

يتميز هذا الفلم من حيث زاوية التصوير و الأداء و التقنيات المبتكرة, و طول المدة الزمنية التي تصل إلى ثلاث ساعات, وسط أحداث كثيرة و أماكن متنوعة, و زمن قديم بين مجموعة من الشخصيات الفريدة و العناصر المرتبطة, فهو كرحلة مديدة عبر إعطاء تجليات متغيرة,  الحب و الحرب و الخيانة و الهروب و القتل و الحياة و غيرها من عطايا الفلم, أنتج الفلم سنة 1975 ينتمي إلى نوعية السرد الطويل, ينطلق في بدايته من خلال صوت المتكلم الذي يعطي التفاصيل, و الحركات الإنتقالية بين كل مشهد, بداية من تحدثه عن كيفية وفاة والد ريندموند, نهاية بخاتمة ذات لمسة مأساوية حزينة, و القصة تعود إلى القرن الثامن عشر.

ريندموند ذلك الشاب الأشقر, الذي سيلعب به الزمن و القدر من منطقة إلى منطقة أخرى, يعيش في إيرلندا مع عمه الذي إعتنى به و إستقبله في منزله بعد وفاة والده, فريندموند فقير و بائس يعشق إبنة عمه 'لورا', التي ستتخلى عنه من أجل رجل إنكليزي ثري, ذو مكانة عالية يدعى 'كوين', و في أحد الأيام يدخل كل من 'كوين' و 'ريندموند' نزالا ثنائيا بالسلاح, بسبب نزاع بينهما حول 'لورا', فيفوز الشاب الأشقر فيظن أنه قتل الإنكليزي, و لكن فيما بعد يتبين أنه وقع في خدعة بدون أن يشعر.

يودع 'ريندموند' والدته بعد أن قرر الذهاب إلى دبلن, هروبا من القانون و الشرطة, و في مسيرته هذه سيواجه الكثير من المصاعب و الحواجز, بداية من تعرضه للسرقة من طرف كابتن و إبنه, ثم ينضم للجيش الإنكليزي في حرب سبع السنوات, ثم بعدها يلتحق بالجيش البورسي, مظطرا بعد تسلله خيفة و فضح أمره حول حقيقته, بعد كل هذا تتغير حياة 'ريندموند' كليا, و تصبح هويته بمثابة الريح المتغيرة, و يحاول صناعة مستقبله هناك في أرض المملكة المتحدة, و يتزوج أرملة أرستقراطية لها إبن صغير, إلا أن الأمور تنقلب كلها ضده. فيواجه مجموعة من الوقائع التي لم تكن في حسبانه.

الفلم يعتبر من ضمن روائع المخرج 'ستانلي', فهو بالرغم من أن القصة في جوهرها تتناول حياة شخص يحاول العيش و التأقلم في هذا العالم, إلا أن في نفس الوقت يصور مواضيع مهمة عن ذلك القرن, كالفن الذي يتجلى في عرض اللوحات و السمفونيات الموسيقية الكلاسيكية,  و الأغاني الإيرلندية الشعبية التي معظمها ممتزجة مع لقطات الفلم, و أيضا من نواحي إجتماعية كوضع المرأة و المثلية و غيرها من الأطروحات.

ينقسم الفلم إلى ثلاث فصول فالأول يتحدث عن إكتساب ريندموند لقب النبيل و إسم 'باري ليندون', و الثاني عن المحن و المصائب التي سيمر بها, و أخيرا الخاتمة التي توضح مصير كل من تلك الشخصيات الموجودة في الفلم, التحدي الرائع في هذا الفلم يظهر خلال شخصية 'باري ليندون' و علاقته مع الآخرين, و توظيف أفكاره في سبيل التغير الإجتماعي إلى مستوى أعلى .. إلخ من التطلعات التي سيتبناها 'ليندون'.

'ريندموند' أو 'باري ليندون' فيما بعد يتقمص مجموعة من الشخصيات و الصفات المحددة, فهو المقامر و الخائن و الأب الحنون , و الجندي و النبيل و السفاح و المولع بالنساء,  و الفقير و الثري و الفاشل و الطموح , فلا شخصية حقيقية له مما زاد هذا في روعة الفلم و تفرده, فهو بمعنى آخر يبطن الفلم رسالة عن غرض الهوية و بين صراعها الخارجي.

ليس بسهل مشاهدة هذا الفلم و التكيف معه نظرا لطول المدة, و تطور الأحداث بشكل بطيء, و أسلوب تقليدي يجزء السيناريو في بانورامية التصوير العريض داخل نطاق السرد, و كما هو الحال مع أفلام كوبريك فالعلامة الموسيقية هي عامل خاص في واقع أفلامه, و المضمون بمثابة تمثيل لمغامرات تتشابه مع روايات قديمة وسط ذلك الجو القروسطي.

 الفلم بدوره مستند إلى أحد الروايات مع بعض التعديلات و التغيرات, التصوير أعطى رؤية مختلفة جميلة جدا على المواقع, إنطلاقا من قلعة 'ويلتون هاوس' و قصر 'بلينهايم' و براري إيرلندا الساحرة, و كذلك بالنسبة للأزياء و اللباس المتقن بشكل أفضل, فهذه القطعة الفنية العظيمة تضرب على مسامع العمق الإنساني, فهي خليط تصويري و غنية بعدة مفاهيم أخلاقية, و عواطف مأساوية و رموز فنية, تقف أمام مثالية الفلم و دقته.

تقييمي : 4/4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق