الفلم يعود إخراجه للناقد السينمائي الفرنسي "جاك ريفيت" خلال البدايات الأولى من فترته الفنية, و هو مقتبس من رواية 'الراهبة' التي أصدرت سنة 1760م للفيلسوف"دنيس ديدرو", بالرغم من أن الفلم مبني على قصة الرواية, إلا أن هناك عدة إضافات قام بها المخرج زيادة عن الرواية الأصلية.
فترة الستينات تمثل دورا مهما في تاريخ السينما, و خلالها برزت عدة أفلام و حركات فنية, يمكن القول عنها كأنها فاصل لما قبلها و بعدها, فلم 'الراهبة' الفرنسي يقوم على مبدأ الدراما التراجيدية و الومضة الحياتية, يعالج عدة قضايا متغيرة في إطار مدروس جدا, يحكي الفلم خلال القرن الثامن عشر في مدينة باريس, حول الفتاة الجميلة 'سوزان' التي تحب الموسيقى و تجيد الغناء, يقرر كل من والديها إجبارها على أن تكون خادمة في دير ديني, لتصبح راهبة فترفض 'سوزان' بقوة, بعد عدة محاولات من القسيس و عائلتها, تدرك 'سوزان' حقيقة أبويها الغير الحقيقين ,و أنها أصبحت عالة عليهم, فتظطر للموافقة على الدخول إلى هذا الدير, و تصبح راهبة تحت إمرة ثلاث أمهات راهبات.
عندما يتعلق الأمر بمسألة الرهبانية و الإيمان و الرب, فلاشك أن الفلم يكون ذو معطى ديني, يجمع بين الإله و الإنسان, بين الخير و الشر, بين الطاعة و المعصية و ما إلى ذلك من الثنائيات, لا يخلو الفلم من إظهار بعض النزعات الإنسانية, التي تتمثل في حياة 'سوزان' مع تلك الراهبات, الجميل و الرائع في هذا الشريط السينمائي, هو تلك الطريقة التي نسج بها المخرج فكرة الشكوك الموجودة عند سوزان, و روحها المظلمة و الضائعة و معاناتها في علاقتها مع الرب, كعادة مثل هذه الأفلام دائما ما تخلق تساؤلات و إستفهامات, في عقل المشاهد حول قضية الدين.
الفلم عند التركيز في سياق مواقفه, نرى أنه يحتوي على مرحلتين في حبكته, الأولى فنجده يتراوح معظمه في الكنيسة حول الصراع بين سوزان الشكوكية, التي تحاول أن تتحرر من الندور الدينية التقليدية, و بين الرئيسة التي تحاربها و تراقبها, أما الثانية فهي بعد نقل سوزان إلى كنيسة أخرى, معتقدة بذلك أنها تخلصت من المشاكل, حتى تجد نفسها في معضلة أخرى, مع الرئيسة الجديدة السحاقية التي وقعت في حبها, هنا في هذه النقطة أعتبرها خطوة ذكية مفاجئة, كون أننا ندرك ذلك العشق المثلي النسائي بشكل غير متوقع, يتجلى بصورة مؤثرة خاصة من الرئيسة, مع إعطاء بعض اللمسات, عما يدور في واقع الدير و الكنائس المسيحية.
إذا ما ركزنا في خاتمة الفلم, لوجدنا أنها متوافقة سياقا و إنسجاما , فمصير سوزان الصادم و الحزين, يظهر أنه مبني على عدة إشارات تسبقه, فعندما نسمع الأب و هو يخاطبها عن مصيرها, يتبين أن هذا الحوار له دلالة قوية, بل كل نقاشات الفلم, تبدو كأنها مفتاح لكل حدث أو واقعة تأتي فيما بعد, هذا الأسلوب العبقري يندرج كثيرا في مسار الفلم و شخصياته و عناصره, الفلم يحمل مغزى جميل, و حبكة ذات مضمون شامل لعدة مفاهيم لاهوتية, لا ننسى دور النغمات الموسيقية, و التمثيل خاصة الأداء المدهش للممثلة "أنا كارينا" فهو فلم مبهر بكل المقاييس.
تقييمي : 4/4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق