الرجل الميت هو فلم إنتاج أمريكي سنة 1995 للمخرج 'جيم جارموش', و الفلم عبارة عن مسار وسط أحداث غريبة شيئا ما, عن شاب ساذج يدعى " ويليام بيليك" ( جوني ديب ) الذي يعمل محاسبا و الذي سيتورط داخل دائرة من القتل و الهروب من السلطة, و خلال مسيرته سيتعرض لرحلة روحية و تحول فكري يغير حياته إلى الأبد, رفقة رجل هندي أصلي غامض و منبود يدعى " لا أحد " الذي يعين بيليك على التخطي نحو العالم الآخر.
هذا الفلم أبعد ما يكون عن التقليد السينمائي المتكرر فهو طريق نمودجي, يمكن أن يكون بمثابة وسيلة فعالة في تقديم حبكة عجيبة, و هذا النوع من السينمائيات يبدو أن له جذور عميقة في أشكال السرد السريالي, و محاولة تخطي و تجاوز كل الأنواع عن طريق فن يقوم على أساس المرونة و الغرابة في المضمون و الصورة, و التعامل مع الأشكال الوجودية و الروحية, فقصة هذا الفلم لا يمكن فهم مغزاها الحقيقي فقط خلال تتبع الحوار و معرفة البداية و النهاية, فهذا الفلم قد نجح بالنسبة لي في إعطاء نوع و لمسة شخصية مبدعة, على زخارف معقدة في صياغة سينمائية مميزة و قوية, مع بعض العناصر المتمثلة من رموز و إشارات و إشعارات مفاجئة, وسط كلمات ذلك الهندي و أقواله مع الرجل الأبيض.
يعرض الفلم أيضا الكثير من المزايا التي ترافق تاريخ البشرية, من مواضيع إجتماعية مع نمط غربي أمريكي محض, مرتبطة بمسألة العنصرية و معاداة النساء, و تسليط الضوء على الصراع ضد الحضارة و الأخلاق و وحشية الإنسان مقابل القانون, و الحياة مقابل الموت إلخ من الثنائيات الكونية, من جهة أخرى نلاحظ أن الفلم يحوي تلميحات تعبر عن لغز ملفوف وجودي بين التخطي من عالم الأحياء إلى عالم الأموات, عن طريق تركيب تدويخي لا يستطيع المشاهد فيه التفريق بينهما.
توجد بعض الجوانب الحاسمة خلال مسار القصة, فالحوار الأول الذي يدور بين 'بيليك' الأبيض و الهندي الأحمر وسط الغابة ليلا يوضح هذه التحفة بشكل أكثر, أيضا خلال رحلة بيليك و إستذكاره لحياته السابقة, عندما كان شاعر بدون أن يعلم و غيرها من التصورات و التعبيرات, عبر مسيرة بيليك الروحية و النفسية مع المرشد الهندي بحثا عن الخلاص المفقود.
فلم الرجل الميت يتطلب كفاءة كبيرة و علم ببعض القضايا, و التي بدورها هذه المعرفة ستجعلك ترى الفلم برؤية مغايرة و عميقة, وسط تلك الإيحاءات السريالية الخيالية و العروض المبهرة, و الإتجاه المميز في حبكته مرفقا بموسيقى عظيمة بنكهة مغرية جدا.
تقييمي : 3.5/4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق