الاثنين، 3 أكتوبر 2016

أفلام طويلة : فلم Breaking the Waves 1996


الفلم هو الإنطلاقة الأولى للمخرج الدنماركي "لارس فون ترايبر" في تأسيس مفهوم سينمائي جديد, يخالف جذريا كل ما كان تقليديا و نفس الشي ينطبق على أفلامه اللاحقة, إذ أن الأسلوب الذي يقوم عليه دائما ما يتناول موضوع الجنس و ما يتعلق به, و هذا النص السينمائي الذي بين أيدينا نجد أنه غني بكثير من التعبيرات و المكونات المختلفة, و بالرغم من أن مدته طويلة إلا أن المتعة فيه يمكن إدراكها بين خطوط الأحداث, التي تمر بها شخصيات الفلم.

الفلم أنتج سنة 1996 و الحبكة تدور خلال بداية السبعينات, في قرية أسكتلندية شمالية عن الفتاة البيضاء 'بيس' (إيميلي واتسون) حلوة الوجه و جميلة الملامح, تعاني شيئا ما من خلل عقلي تعيش وسط مجتمع محافظ دينيا و متماسك غير متساهل , و تحب رجلا طويل القامة ولطيف يدعى 'جان' (ستيلان سكارسجارد) , الذي يعمل في أحد منصات النفط في بحر الشمال, فتتزوج به بعد مدة طويلة من إنتظار عودته, بيس هي فتاة عذراء متدينة و التي ستمثل المحرك الرئيسي لأحداث الفلم و مراحله تقريبا, و من كثرة إنتظارها لحبيبها بدون خلق علاقات خارجية, أصبحت لديها لهفة قوية لمعرفة أسرار الزواج و الفعل الجنسي, و هذا ما نكتشفه من خلال تصرفاتها الغريبة مع زوجها, خاصة في الغرفة الحمراء و أيضا عبر المشاهد التي تصور السلوك الجنسي فيما بينهم.

 لمعرفة أكثر عن شخصية 'بيس' فهي تنتمي لطائفة دينية متشددة, و لها حضور قوي في الكنيسة, التي لا تحتوي على أجراس و غير مسموح بتكلم النساء هناك, و في خطب الجنازات كل ما نسمع هو " أنت آثم و مصيرك في الجحيم ", و هذا ما يبين أكثر الإلزامات الدينية لأصحابها, بعد مدة خلال عمل الزوج 'جان' في محاولة سد أنبوب, يتعرض لضربة على رأسه بعد إنقاده لصديقه, فيتم أخذه إلى مستشفى القرية فيخبر الطبيب 'بيس' بأن "جان" لن يستطيع المشي مرة أخرى, فتصرخ 'بيس' بحزن و شراسة على الطبيب المحلي : "أنت لا تعرف جان !".

هنا بالظبط ستبدأ وقائع الفلم بشكل تدريجي بأخذ نوع من التفكير الغريب, و الذي سيكون محل تساؤل في ذهن المشاهد, فخلال تواجد 'بيس' مع زوجها في المستشفى على الفراش, يخبر 'جان' زوجته بضرورة البحث عن حبيب آخر من أجل تلبية رغباتها الجنسية, و مطارحتها للغرام بسبب عدم قدرته على ذلك, نظرا لما تعرض له, وأيضا لإشباع نزواته المريضة, ترفض 'بيس' في بادىء الأمر, إلا أنها فيما بعد تبدأ في قبول الفكرة و لكن بصورة عجيبة, حيث تخلق نوع من التوهمات الخارقة في عقلها, إنطلاقا من فشل أختها مع زوجها المتوفي مسبقا, و إيمانها بقوة الحب و شفائه لجان, و الأكثر إتهامها لنفسها أنها سبب فيما تعرض له 'جان', و هذا ما نراه عبر تكرار مجيئها للكنيسة وحدها, و هي تدعوا الرب بصويتين : أولا كلامها الرقيق و الذي يمثل ما تريد قوله, أما ثانيا كلامها الرخيم الذي يمثل إجابة الإله, كأنها تحدث نفسها و هذه نقطة مهمة من طرف المخرج, في محاولة ربط الدين و مسألة الإله بالمحن التي يمر بها الإنسان. 

الفلم يحتوي على رؤى مفاجئة و النهاية من ضمنها, و التي سأتركها للمشاهد ليكتشفها بنفسه فالبعد الذي يقدمه الفلم يأخد منحى بعيدا عن فكرة الخير و الشر و المشاعر المبتذلة, و تسلط المجتمع و الفهم من منظور ديني متعصب, خاصة لقضية دعاء الإله و إستجابته و غيرها,  مع أن الفلم جريئ فأحيانا قد يبدو متهجما على الفكر المسيحي, عبر تصويره لرجال الدين و التقاليد, و من حيز آخر تجد أن جو الفلم و ما يقع فيه يطرح العديد من الأسئلة, و يجبرنا على إتخاد جانبين, لفهم القصة بنهج أعمق : أين الحق و الباطل داخل وجود غير مبال و قاس ؟ هل المعتقد الديني مجرد عزاء لوجهتنا الحتمية ( الموت ) ؟ و هل يمكن للإيمان إعطاء قوة الإنتصار على الشر و المعاناة ؟ هذا ما سيعرفه المشاهد عبر تتبعه لشخصية الفتاة "بيس".

تقييمي : 3.5/4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق